سياسة فيليب وابنه الاسكندر في النقود تعرف عليها
لم يستعمل الإغريق الذهب الذي استولوا عليه من الأفراد والمعابد في نقودهم، وإنما استعملوه في أغراض التجارة الخارجية حتى إذا صارت لمقدونيا الزعامة على بلاد الإغريق، وأراد فيليب أن يضع نظاما عاما للنقد في تلك البلاد، كان من المتعين عليه أن يوفق بين محبة الإغريق للفضة وتعبهم لقطعة الدراخمة التقليدية وبين ضرورات التجارة الخارجية التي أفسدها عليهم الفرش باستعمال عملتهم المعروفة بالدارية» التي كانت مفضلة عند جميع الشعوب؛ لأن عيارها كان 980 من الألف ذهبا خالصا، فضرب قطعا من الذهب أجاز التبايع وإبراء الذمم بها أو بالقطع الفضية.
وهكذا اعتمد فيليب في عمله على النظام المعروف في كتب الاقتصاد الحالية بنظام المعدنين Bimetallism، وساعدته على ذلك زيادة محصول الذهب الناتج من مناجم اكتشفت في تراقيا ومقدونيا، ولكنه لقي صعوبات كبيرة في حمل الإغريق على هذا النظام؛ لأنهم أحبوا الفضة واتخذوا الدراخمة عملة قومية لا يريدون الذهب لها منافا في بلادهم، ولما مات فيليب وخلفه ابنه الإسكندر استشار أساتذته الحكماء فأشاروا عليه بأن يحترم شعور الإغريق في محبتهم للفضة وأن يرفع من شأنها، على أن يستكثر في الوقت نفسه من الذهب ما أمكن ليقضي على سياسة الفرس في التجارة الخارجية، تلك السياسة التي أرهقت الإغريق بالعسر والخزي في أرزاقهم، وسياساتهم، وكرامتهم. وعمل الإسكندر برأي أساتذته قتي
عملته الذهبية التي جعل وزنها ۱۳۰ قمحة، وعيارها ۹۹۷ في الألف من الذهب الخاص والثلاثة الباقية من الفضة؛ لتكون أرقی من عملة الفرس، وهذا عيار لم يسمع بمثله في ضرب النقود.
هزم الإسكندر الفرس واستولى على كنوز الذهب في آسيا، فكثر عنده ذلك المعدن النفيس كثرة أنزلت من قدره بالنسبة لمعدن الفضة، حتى صارت نسبته إليها كنسبة م بدلا من ان
ارتفعت إذن قيمة الفضة، واستتبع ذلك ضيق شديد ونزول في أسعار السلع عند الإغريق.
ولم يكن أمام الإسكندر إلا علاج واحد وهو أن يضخم النقود الفضية بطريق إنقاص وزنها، وجعله الوزن الذي كان متبقا أيام والده، ثم أمر بأن تصرف كل قطعة من نقوده الذهبية بعشرين قطعة من القطع الفضة الجديدة، وقد نجح بهذا التضخم في رفع الأسعار في بلاده، كما نجح في التغلب على الفرس حربا، واقتصاديا.